مؤسسة الشهيدين الصدرين ترحب بكم
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

مؤسسة الشهيدين الصدرين ترحب بكم

نورتونا ونتمنى لكم اوقات ممتعة
 
الرئيسيةالبوابةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 ليلة ٌ تساقطت نجومُها وفاء عبد الرزاق

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
علي البصراوي
مشرف قسم
علي البصراوي


ذكر
عدد الرسائل : 181
العمر : 42
الاسم المستعار : علي البصراوي
صورة شخصية : ليلة ٌ تساقطت نجومُها وفاء عبد الرزاق 528088608
تاريخ التسجيل : 18/09/2008

ليلة ٌ تساقطت نجومُها وفاء عبد الرزاق Empty
مُساهمةموضوع: ليلة ٌ تساقطت نجومُها وفاء عبد الرزاق   ليلة ٌ تساقطت نجومُها وفاء عبد الرزاق Emptyالخميس أكتوبر 16, 2008 9:40 am

وفاء عبد الرزاق

ليلة ٌ تساقطت نجومُها


بعد قليل سأترك خشبتي الميّتة باحثا ً عن جهات بعيدة عن حجر ، قررتُ أن أترك قدميّ تمتحنان الدروب وتحتسيان الرمل ،عبر الجسور والطرقات المعفّرة والتي تتوجّس قارها .
كان النسيم باردا ً في غيبوبة الصحو ، وكانت الأعشاب طرية وكل شيىء يبعث بسمة ً وانتشاء ً . ويُفترض إني أشعر بطمأ نينة وأنا أتسلل من ثلجي . كانت الشوارع مكتظة بمخلوقات غاضبة مُنذرة بالشؤم . أما الأسواق والمتنزهات ، فكان الرجل يبدو فيها مشطورا ً لنصفين . مررتُ فوق جسر يشطر المدينة ويربطها بريفها أو بنصفها الآخر
متمنياً الاَ أتوحّش مثلهم ، رأيت رجلا ً واقفا ً في نهاية الجسر وبيده كأسا ً من الدم يستقيها على مهل وبتلذذ والقطرات تتساقط من كأسه رؤوسا ً فارغة أو جماجم
جوَف .
امرأة عجوز متسوّلة تتكىء على عكازها ، منثورة الشَعر رثة الثياب ، بدت اسنانها الطويلة الصفر مثل كوخ خرب أو كغابة تعتصر العمر بحرائقها المدمّرة .
وددتُ لو أعود لذاكرة الصمت وخشبتي العزلاء ، لكن الحلم الشاسع في عيني عاود تجلياته ، فتساقطت النجوم شهيّة على قدميّ تستحم بحرية قربي وتتجوّل كغانية سكرى .
بينما أنا كذلك مرقت امرأة مغسولة بالرعب يشق الهذيان قامتها المنتصبة ،ممتلئة ْ بعض الشيىء وشاحبية، ورفيق غياب بشري يحيطها بالجنون.
فجأة ،امتلأ الجسر بأفاع ٍ رقط ، وعلت أصوات هرج ٍ ومرج ، مرَّ رجال ممزقون بالنبال ما عدا شابا ً في التاسعة عشر ناداني وسألني :
-أتشتهي شيئا ً ؟
-بلى.. أشتهي .. وأرغب ..
غادرني الرجل مختوما بغياب روحه وتركني محموما ً بالفراغ الذي ناولني نصفه وترك النصف الآخر يبتلع الطريق .
في يده قطعة خبز بدت كفاكهة لذيذة في نبل الجوع. طفلٌ جميل المحيّا ، له عينان واسعتان وأنف حغير حدّق بي بنظرة ودود وغاب دون أن يتفوّه بكلمة واحدة .
تقدمت نحوي طفلة تتقلّد حلية من حجر رخيص ، ناولتني قرصا ً من الخبز مربوطا ً بقفل ، حين شعرتُ بحركة جوع في أمعائي خامرني فضول أن أتفحص الرغيف.
-لمَ القفل ياصغيرتي ؟
-هذا كي تتحسس دفئه ولا يتسرب السم إلى جسدك كله .
-لكنه غير ساخن ؟
-لأنه غير ساخن سيصبح سُما ً .
تأبطت أنوثتها وتركتني مجنحا ً بالأسئلة . رميتُ القفل في النهر واتكأتُ على سياج الجسر متلذذا ً بأول قضمة بعد أن شعرتُ بحرقة اللعاب في فمي .
قلتُ في ذاتي :
-ما أجمل أن تبادل المعدة جوعها باللعاب وطعم الخبز!
سرت أول لقمة بجلال ٍ طاغ ٍ عبر فمي ، متعرجة لينة وهي تعبر بلعومي حتى كدتُ أشعر بها كالعسل .. ثم استرجعتُ ذاكرة صلصال ٍ كوّ نني .
وعندما بلعتُ اللقمة والتهمتُ الأخرى التفتت إليّ بعد أن أخذ السير بها مأخذا ، ثم عقدت حاجبيها وقالت :
-ليلعنك الله .
-وبللت أهدابهتا بثدي أعماقها، في اللحظة ذاتها شاهدت ُامرأة تتلفت في الجهات كلها خجلة ً من بكائها وعثرات الطريق ، وكمن يتعثر بسلاسل متشابكة ، مسكت الطفلة من يدها واحتضنتها مثل وعاء ساخن مرّ بقطعة ثلج .
-ألم أقل لك ِ لاتغيبي عن ناظري ؟ .. كدتُ أفقدك .
أرخت الطفلة يدها بيد والدتها المكسوّة بالغبار واستدارت لي بشهقة الوداع بينما رعشت الطفولة متراقصة اليدين .
باي .. باي .. باي .
أشرتُ إليها بحركتها نفسها وانشغلتُ بكلمتها ( باي ) حتى بدت الطفلة كظل . شعرتُ بتمزق ٍ في أحشائي، خاطبتُ المارة طالباً ذراعا ً مرحّبة ً بي ، عذرتهم حين تحلّوا بالصمت إذ كيف لمقتول ٍ أن يملك شكيمة ً تنقذ مسموما ً برغيفه ، تحاملتُ على وجعي وقررت العودة لخشبتي . طغى حضور آخر حين تفقدتُ تكويني ، تراء ت لي صورة الطفلة حين وضعت يدها في يدي ، شعرتُ بشيىء يشبه المعدن في باطن كفي إذ كان له شكل مفتاح ، تحسسته ، لهوتُ به بينما طفلة جميلة تلهو بتمثال أسوَد على خشبة قديمة، فتمنيتُ لو تبادلني الخارطة .
كان هذا آخر مانطق به التمثال وهذه الأمنية سيّدي شهريار ،كلمة تترفع على اللغة ، قوية بنفسها ، سيذكرها كل تمثال بذكر جميل ويحلم بمبادلة الخرائط .
-ولكنه مجرد تمثال شهرزادي الجميلة ، وهل تحلم التماثيل ؟
-سيدي ! أرح قلبك ودع لي أمل التلذذ بصورة جديدة تلهو بذاكرة طفلة علّها تسعفني ليلة الغد وتتركني أتحسس رقبتي ، ولربما سيصبح هذا التمثال قدوة ً لكل التماثيل .
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
ليلة ٌ تساقطت نجومُها وفاء عبد الرزاق
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
مؤسسة الشهيدين الصدرين ترحب بكم :: الادبية والثقافية :: قصص & روايات-
انتقل الى: