(مفهوم الصوره الشعريه )
الحلقة الأولى
بقيت الصورة الشعرية محل تجاذب اتجاهات النقد الأدبي .. فظلت تتردد في فلك المفاهيم حينا وآخر في فلك المصاديق وأخذت تتبادل مواقع خاطئة مع مصطلحات ليست صحيحة .. مثل .. ( المفارقة , الخبر الشعري , الجملة الشعرية ) .. ولعل ماجعلها من الصعوبه بمكان بعيد .. هو لما تمثله من نقطة التقاء وتفرع في ان واحد بين علوم كثيرة جدا بسطت سلطتها على المساحة النهائية في تكوين الصورة الشعرية, أضف الى ذلك ان دراسة صوره شعرية عند شاعر ٍ سوف تتحدد بامكانات ذلك الشاعر وطبقا لمنظومة مفاهيمه وهذا يعني ان هنالك فرقا بين تأصيل جذور ومصادر الصور الشعرية عن طريق تتبع صيغ الشعراء واتجاهاتهم وبين اصولها العامة ، ومن هنا تبرز صعوبة وضع تعريف لها طبقا لما قرره الامام علي بن ابي طالب (ع) في رأيه النقدي الرائع حينما اجاب عن سؤال دقيق جدا / من أشعر الشعراء؟؟ فقال (ع) .. (إن الشعراء لم يستبقوا الى غاية ٍ واحدة ).
وارى ان الحداثة والشعر الحر وكافة اشكالات الادب وفنونه كانت من تطبيقات هذا القول الخالد ، فالشعر كان ولايزال وسيبقى يستبق بآليات واشكال ولغات تحددها الغاية التي يستبق لأجلها، وتجدر الاشارة انه ( ع ) سُئل عن الشاعرية فأجاب بالاستباق وتعدد الغاية وكما هو واضح مافي الجواب من آفاق وارض خصبة لإنبات المباحث المهمة منه.
اود التوقف قليلا عند هذه المرحلة من الكلام فأقول : ان الاستباق بمختلف اتجاهاته والياته التي يفرضها وهو يتجه نحو غاياته انما هو (( التوفر على الحرية باكثر من وسيلة انسانية)) .
وعلى هذا تتعدد وتتنوع الصور الشعرية وفق قانون الحرية القاضي بعدم الخضوع حتى لهيمنة الشكل الشعري الجديد.. بوحدات القياس هذه يمكن قياس جرعة الشاعر واليات استثمارها.
ان المشهد الشهري حيوي وحركي .. والذين ينادون بالثبات عند مشهد ما ويحاولون توثيق او تأصيل تجاربهم ثم سحبها على بقية الخطوط فانما يكررون الوان خافته لاتصمد امام متطلبات المشهد الشعري في تحولاته الدائمه . فأبعاد الشاعر الفذ لاتعبأ بالشعر اذا ماحاول ابتكار اليات تتوافق ومستوى شاعريته ، اذا المنجز الشعري في اشكاله الموروثه والمعاصره ليس قيمة مؤثرة بقدر احتياجات الشاعر ودوافعه التي لا تنتهي والتي هي وحدها المسؤولة عن صياغة وسائل التعبير لديه.
هذه مقدمة تمهيدية للدخول في موضوع الصورة الشعرية وللحديث صلة